Saturday, November 1, 2008

عــــــــــــــــــــــالــــــــــــــــــق

أحد الاستفادات الهامة التى اكتسبتها من تلك الزيارة لأمريكا هو تغيير وجهه نظرى، وإحساسي بالعديد من الأعمال الفنية الأمريكية، أفلام وودى ألن مثلاً عن نيويورك أصبح لها طعم آخر، ثلاثية نيويورك لبول أوستر أصبحت أكثر غرائبيه... وهكذا فحينما كانت الساعة 10 مساءاً ووجدت نفسي عالقاً في مطار JFK في نيويورك أحسست بالمشاعر الحقيقة لفيكتور نافورسكى، لأنه ببساطة كان نائماً بجوارى.

ما حدث كان فيلم تسجيلي طويل للحياة الليلية لذبابة صغيرة في مطار نيويورك. وصلت إلى مطار نيويورك في الساعة 3.15 وموعد طائرتي الثانية المتجهة إلى أوستن تكساس كان 5.40 لهذا كنت في عجلة ولدى تخوف من أن تطول إجراءات ختم الأوراق والفحص الأمنى، لكن لم أكن أتصور أن هذا الكابوس من الممكن أن يحدث لى، لأنى امتلك بعض الحظ على الأقل، لهذا فقد حافظت على ابتسامتى حينما وضع ضابط الأمن جواز سفري في ملف أحمر وطلب منى التوجه خلفه إلى غرفة الفحص.

مررت بنفس التجربة في مطار واشنطن ولم يأخذ الأمر أكثر من 30 دقيقة واعتذارات متكررة من الضابط على تأخيري واضطرارهم لأجراء كل هذه الفحوصات. الأمر في الغالب يعود إلى اسمى بالانجليزية الذى يكتب "صالح، أحمد" وكما ترون فهو اسم عربي صميم يحمله الكثيرون، وغالباً الأمر لا يتجاوز السؤال عن الطول والوزن ولون العينين، لكن ما أن دخلت غرفة الحجز حتى اختفت الابتسامة وسيطرت عليا حالة حقيقية من البضان والتوتر.

المكان يشبه بالضبط أى قسم شرطى مصري، صورة الرئيس السيد جورج بوش معلقة على الحائط بدل، صورة مبارك، وملابس الضباط باللون الأزرق بدل الأبيض، لكن نفس ملامح الوجوه الباردة المتبلدة لضباط الشرطة المصريين هى نفس ملامح الضباط الأمريكان. منذ البداية أخبرت الضابط أن لدى طائرة آخري بعد ساعتين، لكنه طلب من الجلوس والانتظار حتى يتم النداء على اسمى..

جلست منتظراً لكن الوقت أخذ يمر، ساعة كاملة عبرت وأنا جالس لا أفعل شيئاً سوى التنقل بعينى ما بين صورة السيد جورج بوش، ووجوه الضباط، وعقرب الساعة الذي كان بالطبع يتحرك بسرعة هاضماً الوقت ومضيعاً فرصتى في اللحاق بالطائرة، بدأت في القلق وازداد التوتر، فذهبت لأحد الضباط واخبرته أن لدى طائرة آخري بعد ساعتين، لكنه نظر إلى شذراً وبازدراء وتعنت وعنجه ثم قال لى "لا أستطيع مساعدتك، نحن نمارس عملنا"

بعد حوالى الساعة ونصف هتف الضابط الجالس على الديسك "صالهه اهمد" فاتجهت إليه، ثم بدأ في توجيه نفس الأسئلة التى سألها زميلها وأجبت نفس الاجابات.. سوف أقضي أسبوع في الولايات المتحدة، وأنا هنا جزء من برنامج تنظمه الجامعة الأمريكية في القاهرة وهيئة المعونة الأمريكية لتغطية الانتخابات الأمريكية، وأعطيته الخطاب الذى أحمله من الجامعة، فأخذ يقرأه في تركيز شديد ثم سأل السؤال الذكى التالى "هل أنت طالب؟" جاوبته "لا أنا صحفي" فسأل سؤال ذكى ثانى "إذن لماذا ترسلك الجامعة إلى هنا؟" أخذت أشرح له أن الرحلة جزء من برنامج لمركز كمال أدهم للدراسات الإعلامية ونشاطه لا يتوقف على الطلبة فقط..

هذا الحوار لم يكن يتم بهذا الشكل السهل الذى اكتبه به، بل في المنتصف كان يطلب منى أن انزل يدى من على الديسك، وأن أقف بعيداً عن المكتب، وارفع من صوتى وفي النهاية طلب منى الجلوس والانتظار، فأخبرته أن لدى طائرة بعد أقل من أربعين دقيقة وأننى غريب ولا أعرف ما الذى أفعله إذا فقدت طائرتى، لكنها رفع حواجبه وأشار إلى جواز سفري "أريدك أن تجلس هناك، لأن ما نفعله أهم من الطائرة"

لم أستوعب عبارته، لكن استوعبت أن أواجه صورة من صور غباء السلطة، الرجل معه سلطة الضابط وخاتم الدخول، وسوف يمارس هذه السلطة ويستمتع بممارستها إلى أقسي درجة، والحل الوحيد هو عدم الدخول معه في مناقشات أو استفزازه، والتفكير في الخطوة التالية لضياع الرحلة إلى أوستن.

جلست أنتظر، الغرفة كانت تحتوى على جنسيات عربية آخري، باكستانية، إسرائيلية، وبالطبع الرفاق اللاتينيين، بعضهم جاء بعدنا لكنه أنهى أوراقه وانصرف قبلنا، مزة لاتينية في فستان أحمر دخلت الغرفة وحصلت على جواز سفرها في أقل من عشرين دقيقة مع ابتسامة عريضة من الضابط، بينما يكتفي بالنظر من أعلى لأسفل... شذراً

بعد أربع ساعات حصلت على جواز سفري، كانت الطائرة قد أقلعت، وكنت وحيداً في مطار نيويورك. ذهبت إلى مكتب شركة الطيران، وحكيت لموظف الاستعلامات الذى يحمل اسم سعيد على القصة، فرسم ابتسامة عريضة، وقال لى "لا يمكننى مساعدتك يجب أن تشتري تذكرة جديدة" حينها أحسست بالضياع الكامل، أخذت أفكر في الخيارات الموجودة أمامى، وحدثت نفسي وحادثتنى "لما لا أخرج واترك نفسي لشوارع نيويورك، لنبدأ حياة جديدة أكثر بوهمية"... وبالفعل خرجت لتدخين سيجارة، محاولاً التفكير بشكل أكثر هدوءاً، لكن في أقل من ثلاثة دقائق كانت أطراف أصابعى قد تحولت للون الأزرق... مما جعلنى ألغى نهائياً فكرة النزول لشوارع نيويورك، وعموماً لا أنصح أى أحد بالمغامرة في نيويورك في الشتاء.

في النهاية قررت شراء تذكرة مهما كان ثمنها، لكن حينما وصلت لشباك الحجز وشرحت للموظفة حقيقة الوضع أخبرتنى، أنه لا يوجد داعى لشراء تذكرة جديدة، لكن المشكلة انه لا توجد رحلات مباشرة إلى أوستن، وهو ما يعنى أننى يجب أن انتظر حتى صباح اليوم التالى الساعة التاسعة لكى أركب الطائرة المتجهة إلى أطلانطا، ومن أطلانطا إلى أوستن... لم أستوعب الوضع لكنى فهمت أنه يجب أن أقضي الليلة في مطار نيويورك عالقاً.

حاولت الاتصال بأي واحد من أصدقائي أو معارفي لكن التليفونات كانت معطلة أو لا تعمل، جهاز الاتصال الوحيد الذى فتح معى كان كمبيوتر عام، متصل بالانترنت الدولار الواحد يمنحك ثلاث دقائق من الاتصال البطيء بالانترنت، لهذا لم أستطع سوى ارسال ايميل مختصر لرفاق الرحلة ثم صعدت للدور الثانى حيث المطاعم لتناول أى وجبة ثم بدأت في جولة واسعة لاستكشاف المطار.

وصلت للدور الثانى، وجلست على أحد المقاعد، بجوارى كان هناك عشرات الأشخاص معظمهم أسيويين أو من الدول اللاتينية الشقيقة، أخرجت الكتاب الوحيد الذى كان معى "عام وفاة ريكاردو ريس" لخوسية ساراموجا، جلست اقرأ في الرواية التى تدور أحداثها في لشبونة بين بطلين رئيسين ريس الطبيب والشاعر وبيسوا الكاتب التجاري والشاعر المفضل لدى بعد جويس منصور، عند منتصف الليل كانت صالة المطار كلها عبارة عن سرير نوم كبير، الجميع نائم على الأرض أو على المقاعد، أقرأ فصل من الرواية وأنام، أحلم أحلام قصيرة تطاردنى فيها حروف لاتينية تحاول التنكر في هيئة كلمات برتغالية، أنام وأصحو، أصحو وأنام وبرودة المقعد الحجري تخترق ظهري، أخذت أكح وقدرت أن ريس قد نقل إلى الانفلونزا، لكن تعافيت في الفصل الخامس مع ريس، أخذنى فيكتور في جولة أخيرة في المبنى عند الساعة الخامسة، ثم انتقلت للبوابة أربع وركبت الطائرة المتجهة إلى أطلانطا.

5 comments:

Forsoothsayer said...

ma3lesh...it happens to us all.

Anonymous said...

بالذمه بعد اللى عمله بن لادن و الطلبه اللى هربوا من كام سنة هناك مش عاوزنهم يعملوا كده؟ طيب ده كويس انك ماتسجنتش ولا اتعذبت.

Miral said...

yetsegen w yet3azeb leh ba2a insha2allah? howa 3amal 7aga aslan? walla inta shayef ino lazem yet3aqeb belnyaba 3an bin laden? walla ya3ni konna hanseebo ye7sallo ay 7aga? wel Adham Center akeed kano haye2lebo el donya weykallemo el nas btoo3 el sefara wel USAID weytalla3ooh wa2ty... yaret ba2a elly 3ando 7aga 3edla y2olha, welly m3andoosh yekhaly lesano gowa bo2o a7san.

KAFFARA YA AHMED,

EL 'DETENTION' LEL GED3AN

Anonymous said...

my English translation:

Detained

By Ahmad

One of the most important things I gained from my visit to America was a change in my point of view, a new appreciation for many works of American art. Woody Allen movies about New York, for example, now have a different feel to them. Paul Auster’s New York Trilogy became even more marvelous. And at 10PM when I found myself detained at New York’s JFK airport, I felt the true feelings of Viktor Navorski – as if he were actually sleeping right next to me.

The events were like an extra-long documentary film on the life of a small fly in the New York airport. I arrived at the airport at 3:15 and my next flight to Austin, Texas was leaving at 5:40, so I was in a rush, worried about getting my papers stamped and going through security checks. But I never imagined that such a nightmare could happen to me because I have a bit of luck. That’s why I continued smiling when the officer put my passport in a red file folder and asked me to follow him to the interrogation room.

The same thing happened to me at the Washington airport, and the whole thing didn’t take more than 30 minutes, complete with repeated apologies from the officers for the delay, and for their being forced to conduct all these measures. Most of the time, the issue comes down to my name in English, written “Ahmad Salih,” which is a pure Arabic name shared by many. Because of this, things can usually be sorted out by a few questions on my height, weight, eye color. But this time, as soon as I entered the detention room, my smile disappeared and a true state of fear and stress took hold.

The place perfectly resembled any Egyptian police station, except for the picture of Mr. George Bush handing on the wall in place of Mubarak’s, and that the officers’ clothes were blue rather than white. The American officers had the same cold, dumb faces of their Egyptian counterparts. I told the officer at the beginning about my flight leaving in two hours, but he told me to sit waiting until they called my name.

I sat waiting for an hour not doing anything but gazing alternately at Mr. George Bush and at the faces of the officers, and at the hour hand, which wasted an hour of my time to catch the plane with oppressive speed. I began to worry and my stress increased, so I approached one of the officers and told him that I had a plane to catch in two hours, but he glared at me with an air of self-importance and contemptuously scoffed “I can’t help you. I’m just doing my job.”

After about an hour and a half the officer sitting at the desk yelled “Saaylih, Aaaahmaad” so I went over to him, and he began asking me the exact same questions his colleague had asked me, and I gave him the same answers. “I will spend a week in the US, and am here as part of a program organized by the American University in Cairo and USAID to cover the American elections. I gave him the document I was carrying from the university. He read it with intense concentration then asked me his next smart question, “Are you a student?” I responded, “No, I’m a journalist.” His next smart question, “So then, why did the university send you here?” I began explaining to him that the trip is part of a program from the Kamal Adham Center for Journalism Studies and its programs are not just limited to students.

This back and forth didn’t happen in the easy manner that I describe here. Rather, it was interrupted by his asking me to remove my hand from the desk, and stand back further from the station so I had to raise my voice. Finally he told me to sit back down and wait. I told him that my flight was in less than forty minutes and that I was a foreigner and wouldn’t know what to do if I missed the plane. He raised his eyebrows, pointed to my passport, and said “I want you to go sit there because what we’re doing is more important than the plane.”

I didn’t get the full meaning of what he said, but did understand that he was a picture of the stupidity of authority. The man had an officer’s power, the entry stamp, and was not afraid to enjoy using his authority to the utmost. The only solution was not to engage in conversation with him or provoke him, and to think about the next step – losing my trip to Austin.

I sat waiting. The room contained other Arabs, a Pakistani woman, an Israeli woman, and, of course, some Latin American comrades. Some of them came in after us, but finished their paperwork and left before us. A Latina chick in a red dress came into the room and got her passport back in under twenty minutes – along with a broad smile from the officer, who then looked back down and went back to glaring.

When I got my passport back after four hours the plane had left and I was alone in the New York airport. I went to the airline counter and told my story to an information desk employee named Said. He smiled broadly and said, “We can’t help you. You need to purchase a new ticket.” Sensing a complete loss, I began to think about the options in front of me, saying to myself, “Why don’t I just go outside and abandon myself in the streets of New York, and begin a new, more bohemian, life?” In reality, I just went out to have a cigarette and tried to think more calmly. Less than three minutes later, as the tips of my fingers were turning blue, I decided against the streets of New York. Generally, I don’t recommend anyone going out in New York in winter.

Finally, I decided to buy a new ticket whatever the price, but immediately hit a roadblock when the employee told me that I couldn’t buy a new ticket. The problem was there were no direct flights to Austin, so I had to wait till the next morning when, at nine AM, I would board a plane to Atlanta, and from there on to Austin. I didn’t absorb the full extent of the situation, but it was clear that I would have to spend the night trapped in the airport.

I tried to call my friends or acquaintances, but the phones were disabled or broken. The one working communications device was a public computer. A dollar got you three minutes of slow internet, so I was only able to send a short email to my traveling companions, before going up to the second floor where the restaurants were to get a bite to eat. Then I began an extended tour of the airport.

Anonymous said...

Nice telling of the story. Sounds familiar, though the details differ. If i wrote my story, it would have been chock-full of 'fucks', 'dicks', 'white-trailer-trashes' and all sorts of other offensiveness, no doubt.

Very appropriate for this project that you got to experience and post this.