1
شَاهدت في التلفاز وفي وسائل المواصلات حملة ضخمة لحث المواطنين الأمريكان على استخدام الغاز الطبيعى بدلاً من البنزين. نفس الحملة اذكر أنى شاهدتها بشكل آخر في مصر قبل سفري.
الإعلانات في مصر كانت بسيطة، تحمل رسالة واضحة للمستهلكين إذا استخدمت الغاز لا البنزين فسوف توفر الكثير من الجنيهات، لأن الغاز أرخص من البنزين، وعلى الهامش كان أحياناً يتم الإشارة إلى أن ضرر الغاز على البيئة أقل من ضرر البنزين.
الإعلانات هنا في أمريكا مختلفة، فالإعلان عبَارة عن عدد من الجمل التى تظهر بشكل مُتتابع توجه رسَالة للمستهلك ملخصها أن أكثر من ربع الدخل القومى الأمريكى يذهب إلى شراء البترول الأجنبى، وأنك عزيزى المستخدم باستخدامك الغاز للبنزين تحافظ على الدولارات الأمريكية في داخل الأراضى الأمريكية.
بعد أكثر من أسبوعين اكتشفت أن العادة في هذه البلاد استخدام شعارات جماعية ووطنية لتسويق السلع التجارية، تذكرت أيضاً في ذلك الوقت ما كتب عنه أحد منذ أشهر، وهو ما وجدته بكثرة هنا.
أبشع مثال على ما سبق إعلان وجدته في محطات المترو في دى.سى يصور جاموس وحشى ينقض عليه نمر، وفوق الجاموس سهم مكتوب عليه "أنت هنا"، وفي الجانب الآخر قطيع من الجاموس وسهم فوقه مكتوب عليه "يجب أن تكون هنا".
2
حتى في أشد الأوقات التى كانت فيها مصر خاضعة للحكم الديكتاتوري العسكري كوقت جمال عبد الناصر مثلاً، لم تكن الإعلانات تأخذ هذا المنحنى وهذا الطريق. والآن في مصر إذا حاول أحدهم الترويج لأى سلعة أو حملة على أساس أنها لمصلحة البلد الوطن سوف تفشل حملته فشلاً ذريعاً وسوف تواجه بعاصفة من السخرية والضحك. تريدون مثال على ذلك انظرواً مثلاً إلى حملة نحكم عقلنا، نتفشخ كلنا..
لأنه ببساطة لا يوجد ما يسمى بمصلحة البلد أو الوطن، ولجوء المواطن إلى استخدام الغاز لن يحقق أى مصلحة إلا لشركات الغاز، ثم بالطبع المواطن الذى سيوفر ماله الخاص. أما لجوء الدعاية والإعلانات المختلفة إلى تحويل القضية أو السلعة إلى مسألة قومية ومعركة جماعية، فهو شيء مقلق، وغير مفهوم خصوصاً في بلد يفترض أنه قد قام على احترام الخصوصية الفردية، ونمط الإنتاج الرأسمالى الذى يقدس الفائدة والمنفعة لا الشعارات الفارغة مثل "توقف عن أكل البطاطس لنحافظ على الوطن رشيقاً"!
3
باراك أوباما أحد اللذين يستخدمون ضمير الجماعة بكثرة في خطبة وخطاباته، أوباما يعتمد أيضاً طوال الوقت على رسائل جماعية تغذى روح القطيع، أكبر مثال على ذلك شعار حملته "نعم نستطيع" دون أن يوضح من "نحن" وما الذى نستطيعه؟
فقط يظهر أوباما على المسرح مرتدياً قميصه الأبيض، ثم يبدأ وصلته بالهجوم على ماكين أو ساره بالين، ثم بعد ذلك يبدأ وصلة غناء موسيقي الصول "Yes We Can" فترد عليه الجماهير " Yes We Can" وهكذا يتصاعد الكريشندو الحماسى إلى ما لا نهاية.
4
في واشنطن دى.سى لاحظت أن الولاية كلها تقريباً غارقة في الأعلام الأمريكية، كلما ذهبت إلى أى مكان وجدت العلم موجوداً، بعد ذلك تكون عندى انطباع مؤكد أن الأمريكان يحبون بشكل خرافي علمهم، وهو أيضاً ما وجدته غريباً وغير مفهوماً. جيري ريتش أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية في القاهرة وأحد اللذين ساعدوا كثيراً في تنظيم هذه الرحلة، برر روح القطيع التى تسود الدعاية والإعلانات وحرص الجميع على إبراز العلم بأنه نتيجة لتكون أمريكا من مجموعة من المهاجرين والأعراق والجنسيات المختلفة، حيث تحاول كل مجموعة التأكيد على هويتها الجديدة وإظهار نفسه في مظهر الممثل الحقيقي للروح الأمريكية.
لكن إذا صح هذا التفسير، فهذا الروح الوطنية سوف تنقلب مع الوقت –هذه إذا لم تكن قد انقلبت- إلى فاشية، لن تضر الأمريكان فقط بل ستضر الكوكب كله، من التاريخ ومن الجغرافيا جميعاً نعرف أن الفاشية لا تؤدى إلى أى شيء جيد.
5
لا أصدق حتى الآن وجود ساره بالين بتسريحة شعرها وابتسامتها الكارتونية. بالين لا تعرف إلا الانجليزية، ولم تسافر خارج ولايتها قبل ذلك، وتحب الصيد، والنكتة فعلاً أنه يمكن أن تصبح شخصية سياسية في منزلة نائب الرئيس.
محبى ساره بالين حينما يظهرون في التلفاز ويدافعون عنها، يقولون أن ساره تمثل نماذج السيدة الأمريكية البسيطة، هى نموذج أمريكى بسيط، واضح وقريب من الأمريكان، يشعرون اتجاهه بالألفة. هؤلاء الأشخاص الذين يستخدمون مثل هذا الخطاب والذين يتبنون هذا الخطاب هم بصراحة الخطر الحقيقى ليس على أمريكا فقط بل على البشرية جمعاء..
مثل هؤلاء الأشخاص في الحزب الجمهوري، الذين يتعاملون مع الناخب الأمريكى على اعتبار أنه قطيع، سوف يحب أن يتولى أمره حمل وديع يشبه بقية القطيع، هم نفس الأشخاص الموجودون في مصر أو في الصين أو في كل مكان، الذين لا يملكون أى احترام للحرية والتمايز الفردى، والذين تنبع فائدتهم ومصلحتهم من تحويل البشر إلى قطعان متشابهه يسهل السيطرة عليها وقيادته وزرع الخلافات والتناحرات بينها.
4 comments:
بس الكلام ده داخل فعلا ضمن المبادئ الرئيسية السبعة للدعاية
حاجة اسمها باند واجون
ان المتلقى غالبا بيحتاج يحس انه جزء من مجموعة من كيان ضام ولما تقدمله ده بتقدمله الاحساس المنشود بالامان خصوصا اذا كان حاسس انه مهدد بالنبذ لكونه مختلف او حتى مهدد بخطر ما الانتماء لجماعة مرجعية انه يكون جزءمن مجموعة او من قطيع زى ما بتسميه بيديله الاحساس ده بالامان هم بيطبقوا المبدا بحذافيره متنساش ان هم اللى نظروا لعلم الدعاية من الاربعينات واستنبطوا القواعد والمبادئمن ممارساتهم وممارسات المانيا فى الحرب العالمية
فبيتها يعنى
مبدأ ايه
يا افندم المستهلك لما بتحسسه انه جزء من جماعة الجماعة دى بتبقي جماعة نفعية بتشترك معاه في صفة شرائية معينة
زى مثلا انهم كلهم يشتروا شقق في اب تاون كايرو
فيعيشوا مع بعض فوق التاريخ
بعدين بقي عايز اقولك حاجة
الاعلانات هنا متخلفة جدا جدا جدا جدا
تخيلى مثلا اعلان عن قهوة باردة زى الشاي البارد كدا
عبارة عن واحد بيطلع يقول
انها قهوة
انها بارده
الامر بسيط
ثم يمد يده بالكاميرا حاملا زجاجة القهوة
المفروض موبينل تيجى تديهم دروس
على فكرة ردك استاذ احمد بيقول اننا مش مختلفين خالصهو فعلا بيخلق من خلال الاعلان صفة مشتركة بين الفرد وبين افراد اخرين عشان يبقوا الجماعة دى اللى بتسهم فى المزيد من الارباح للمنتج
هو عندك حق انا شفت نماذج من الاعلانات اثناء الدراسة واعلاناتهم متواضعة جدا جدا بس ده يمكن لان حجم الشركات مش كبير اوى
فى المدن الصغيرة والاعلانات بتاعة قنوات الكيبل هتلاقى الاعلانات متواضعة لان الفكرة فى الاعلان هى الاخبار بوجود المنتج وتعديد مزاياه مفيش منافسة مع منتجات تانية او جايز الشركة معندهاش قدرة المنافسة مع شركات تانية اكبر لكن الاعلانات اللى على القنوات الكبرى والشبكات الرئيسية هتلاقيها مستوى تانى
لو خدعونا فى الكلية وعندك تفاصيل تانية يا ريت فعلا تحطها لانى مهتمة بالمسالة دى جدا
متشكرة جدا جدا لوقتك استاذ احمد
Post a Comment