في وسط الأزمة، ومن بين عشرات المقالات والتقارير والآراء التى قرأتها وسمعتها مؤخراً، توقفت أكثر من مرة أمام هذا التقرير المقتضب الذى نشرته قناة الجزيرة، وجمعت فيه بين رأى الرئيس الفرنسي ساركوزى والسيدة الفاضلة كوندليزا رايس.
ساركوزى كرجل أعمال ناجح أيقن بعد مسيرة طويلة أن المال ليس كل شيء وأنه يحتاج أيضاً إلى السلطة، اعتبر الأزمة المالية النهاية لنظام السوق المفتوح المعروف عندنا في دول العالم الثالث ذات الخلفية اليسارية بالرأسمالية المتوحشة، ونادى ساركوزى بنظام رأسمالى جديد يخضع لقيود وسياسيات تحميه من الجنون.
ما طالب به ساركوزى بالطبع ليس سياسية جديدة أو تصحيح للنظام للرأسمالى، بل ببساطة خلطة قديمة بين رأس المال والفساد السياسى، جربنها قبل ذلك في مصر وتمت تجربتها في أكثر من دولة والنتيجة كانت طحينة سببها سياسيين مثل أحمد عز يتحكمون في وضع القوانين التى تخدم مصالحهم فقط. وهذا على الأرجح ما يرغب فيه أشخاص فاشيين مثل ساركوزى يحاولون الاختباء حول شعارات اشتراكية.
* * *
التصريح الثانى للسيدة الفاضلة كوندليزا رايس وفيه تدافع "رايس" عن الرأسمالية وتؤكد أنها سبب كل التطور الذى شهدته البشرية في السنوات الأخيرة، وأنه لا حل إلا الرأسمالية. طبعاً هذا كلام مسخرة لأن ألمانيا النازية مثلاً هى التى اخترعت البلاستيك وعشرات الاختراعات الأخرى وهذا لا يجعل النازية صالحة لكل زمان ومكان، وإذا كانت الرأسمالية هى السبب في ظهور نظام وندوز فهذا لا يعنى أنها النظام الصالح لكل زمان ومكان، بل يعنى أنها نظام الإدارة الذى قام بدوره على أكمل وجه اتجاه الإنسانية والآن جاء الدور لكى يتنحى جانباً ويترك المجال لنظام آخر..
نظام لم تتحدد ملامحه بعد، ولا أحد يمكنه تحديد شكله، لكنه بالتأكيد لن يكون النظام الذى سيترك مصير الإنسانية، في يد حفنة من التجار الذى يتربعون على رأس الشركات والتكتلات الإقتصادية الكبري، ولن يعمل هذا النظام على دعم النزعات الاستهلاكية لدى الأفراد العاديين، من خلال حسابات بنكية افتراضية... ببساطة لأنه
أولاً ثبت أن تحويل الأفراد إلى قطعان ماشية لا تفكر إلا في الحصول على المنتج المعروض في الفترينة، لا يؤدى إلى نمو اقتصادى حقيقى بل مزيد من الأموال المسحوبة من خلال بطاقات الائتمان دون ضمانات حقيقية. وفي النهاية لا تعبر حركة الأرقام والمؤشرات التى تعكسها البورصة والنشرات الاقتصادية عن ثروة حقيقية بقدر ما تعبر عن مجموعة من الديوان الافتراضية التى تنتقل من اليمين إلى اليسار ومن اليسار إلى اليمين.
ثانياً لأن البعض أخيراً بدأ يقتنع بأن الثروات الموجودة على سطح الكوكب تتناقص يوماً بعد يوم.
ثالثاً لأن جورج بوش تبين في النهاية أنه ليس عضو في الحزب الجمهوري، بل عضو في خلية شيوعية سرية ذات نزعة تروتسيكه تعمل على تقويض دعائم النظام العالمى، من خلال تخريب النظام الاقتصادى الأمريكى، وعدم احترام أهم مبادئه وهى حرية السوق وعدم جواز تدخل الحكومة وتلاعبها بذلك السوق، فبوش يسعى بهمه إلى توريط الحكومة في أزمة البنوك بحيث تتحول الديون من ديون البنوك والأفراد إلى ديون الحكومة، وبدل من أن تعلن البنوك إفلاسها ربما يأتى يوم تعلن الحكومة إفلاسها، وبهذا تتضح حقيقية انتماءات بوش السياسية اليسارية المنحرفة.
رابعاً: فقد أثبتت الحوادث الأخيرة والأزمة التى تتضخم يوماً بعد يوم صحة المقولة التى تقول "ويمكرون وكان تروتسكى خير الماكرين"، وإن كان هذا لا يعنى بالطبع صحة ما ينادى بها السيد ساركوزى من عودة الإشراف الحكومى للسيطرة على السوق.
خامساً: من يدري، ربما تكون هذه الأزمة البداية الجديدة لنظام جديد، يوفر حرية التنقل للأفراد والبضائع لا الشركات الكبري فقط، ويضع حداً لسيطرة الحكومات في العالم كله وتداخلاتها في رأس المال، ويفتح الباب لسوق حر لا يخضع لأى شروط إلا لشروط القوى العاملة التى تقوم بالإنتاج والتى تتحمل لوحدها عبأ النجاح أو الفشل دائماً، سوق لا يخضع فيه رأس المال لسيطرة الحكومات الفاسدة أو حتى الديمقراطية بل لسيطرة العرض والطلب، وقانون النقابات العمالية المستقلة التى هى الأدرى بالتأكيد بقدراتها.
سادساً: نترككم مع الحاج روجر وترز يغنى لنا عن المال، وخدعه التى تكشفها الأيام، كما ندعوكم لقراءة تدوينة صاحب الأشجار وإن كنا لا نحبذ تصديق شائعته التى يروج فيها لسقوط الفيمار
1 comment:
مكنتش أعرف إنك أوي كدة:)
Post a Comment